عن الستارة الصنعانية

د. مصطفى ناجي:

كثيرة هي النصوص التي تتناول “الستارة الصنعانية”، ويغلب عليها الطابع الاحتفائي برداء خارجي ترتديه بعض نساء اليمن، ولا سيما في مدينة صنعاء وبعض أريافها.

تتوقف تلك النصوص، كما نشرت في مجلات ومواقع عديدة، عند الحديث عن أصالة الستارة وخصوصيتها. وقد كتب عبد الكريم المقالح عن جماليات الألوان فيها، متأملًا الأزرق البهيج، والأحمر الحكيم، والأصفر المرح. وبالمثل، نجد مقولات الفنانة التشكيلية اليمنية الدكتورة آمنة النصاري.

لكن لم يتطرق أحد — حسب علمي — إلى القراءة الرمزية التي تتضمنها الستارة الصنعانية من خلال رسومها ونقوشها.

ومن أغرب ما قيل عن الستارة الصنعانية، ما تدّعيه السيدة جحاف، بأن الستارة ظهرت لأول مرة في عهد الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عند قدومه إلى اليمن. وربما استندت في ذلك إلى ما يُروى من أن الإمام أمر النساء بضرب الستارة على أجسادهن. وهذا ليس دليلًا على قِدَم الستارة الصنعانية بقدر ما يندرج ضمن محاولات الإمام فرض أخلاقيات الاستتار على اليمنيات في مناطق نفوذه. وهو قول لا يُحتج به في تأريخ لباس الناس، بل يقع ضمن سجالات أخرى.

وربما يجدر بالباحث، إذا أراد تأصيل الستارة، أن يرجع إلى تاريخ صناعة الأقمشة في اليمن، والأصباغ المتوفرة، والنقوش المصاحبة لها. وقد لا يجد في هذا السياق ما يشير إلى “صنعانية” الستارة بشكلها الحالي، طالما أنها في عهدها الأخير تُصنع من أقمشة مستوردة من إنجلترا أو من أقمشة ونقوش هندية، مثل كوغارجات، بحسب ما تشير إليه سجلات المتحف البريطاني.

صحيح أن الأشكال والأزهار المرسومة على سطح الستارة تعبير رمزي لا واقعي، لكنها لا تعكس الحد الأدنى من البيئة الزهرية اليمنية. إذ تظهر شجيرةٌ بأوراقٍ ذات حواف شوكية، وأزهار صفراء ذات بتلات حادة الأركان.

بل إن هذه الرسومات ليست من الأقواس التي تطورت في الفن الإسلامي، ذات الأبعاد الروحية، والأشكال الانسيابية، والتكرار المدور.

وربما احتوت الستارة على ألوان ذات دلالات ميثولوجية، كاللون الأزرق الذي يُستمد منه الحماية، كما في “العين الزرقاء” التركية. غير أن واحدة من أبرز الرسوم على الستارة تدل على نمط زخرفي متكرر قادم من الثقافة الفارسية، وهو “الدمعة” أو “القطرة”.

ولِمَ لا؟ فقد أصبح الفضاء العربي والإسلامي فضاءً مشتركًا أسهمت فيه الأيادي الفارسية في إثراء الأشكال والنقوش والزخارف.

لكن هذه الأشكال لا تنتمي كليًا إلى المنظومة الزخرفية الإسلامية المشبعة بالتعبيرات الخطية أو الزهرية أو الهندسية، والتي تنطوي على روحٍ دالة على السكينة، والانبساط، والتأمل الروحي، والانتظام الكوني. إذ نجد في الستارة شموعًا واقفةً على رؤوس سهمية ثلاثية.

الحق أن ألوان الستارة مألوفة، ولعل أحدنا قد رآها يومًا في سرادقات العزاء، أو في الاحتفال بالمولد النبوي في مصر.

وتغلب على بعض هذه السرادقات ألوانٌ مثل الأحمر البالي، في رمزيةٍ للدماء والشهادة، تُزيّنها خطوط صفراء ذهبية تُشير إلى التقديس.

الستارة، بألوانها الداكنة – اللامعة حين تكون جديدة – أو بالخطوط التي تحيط بها من الجوانب، تبدو مكتظّة، لا مجال فيها لفسحة بصرية. بل إن زخارفها تفتقر إلى وحدة موضوعية، وتتزاحم في تضادٍ يحول دون انسجام في الحكم أو انتظام خطي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى